Home
»
قصص
»
حلم لم يتحقق ; قصة قصيرة
حلم لم يتحقق ; قصة قصيرة
حلم لم يتحقق ...
هناك خلف الأشجار البعيدة ... هناك بين الأحجار القاسية ,,, وفي قمة الجبال ...هناك رقدت ...أحدهم قال لي : استراحت ... وأخر قال لي عكس ذلك .. ومنهم من هنئني ..مبارك أصبحت حرا ,,, الناس يا ولدي لا يعلمون تلك التفاصيل التي كانت بيننا ...تلك المنمنمات الصغيرة الدقيقة والخطيرة في حياتنا الزوجية ,, وتلك الشرايين التي تصل بين قلبي وقلبها ..
أنت تعلم يا ولدي ,,, أنني رجل عصبي المزاج .,.. متغير الأطوار .,..أغضب بسرعة كبيرة منها ... وبعد هنيهات ابتسم وأصالحها...أحيانا أغلي كالمرجل ,,, درجة حرارتي تصل المائة وتزيد ,,, ولكن بثوان تنقلب إلى ما تحت الصفر بدرجات كبيرة ,,,وأحيانا كنت أشعر بداخلي يكاد ينفجر ويتطاير الشرر من عيوني ,,,وفي لحظات ينطفأ فتيل انفجاري وأنام في سريري قرير العين ,,,هي يا بني ,,, هي يا ولدي ...كانت تعلم كل صغيرة وكبيرة عني ,,, و تكشف بسهولة عن ما بداخلي وما يحيط حولي ...وتداوي وتجرح وتخيط وتنقش كما يحلو لها ,,, كانت تستطيع أن تجعلني أغضب ,,,وبنظرة من عيونها كنت أبتسم وأقترب منها لأصالحها ,’,وبهدوئها المعهود تعلم من أين ينطفأ مرجل غضبي ,,, وببرودة يقينها تعطي لقلبي الثلج فابرد واهدأ ,,,وبعطفها الزائد علي يصبح فتيل قنبلتي كالماء ,,, وبعناق ذراعيها الحنونتان كنت أنام مرتاح البال ,,,هي يا بني هي يا ولديمن زرعت طريق نجاحي بصبرها أشجارا مثمرة ,,ومن تلك الأشجار كان برعمك حيث تكفلت بك منذ صغرك إلى أن أصبحت الأن من أفضل أطباء المدينة ,,, سافرنا سويا وتغربنا سويا و تعذبنا سويا ,, نعم تعذبنا ,,, سويا وكثيرا ’’’ أذكر تماما يا ولدي ليلة ولادتك لم تكن ليلة عادية ,,, كانت ولادتك متعسرة ,,و اضررنا إلى أدخالك المشفى ..وكانت تكاليف المشفى باهظة الثمن لا يستطيع أن يحملها راتب موظف بسيط مثلي ’’’كدت أسقط ولكنها لم تستلم ,, وأشارت لي بأن أبيع كامل حليتها ...كان من الصعب أن أقبل ذلك ,,ولكنها لم تنتظر ردي ... وتصرفت ونجونا من ضائقة مالية كبيرة في حياتنا ,’,, كانت تمدني بالقوة ,,, وتعطي لي الأمل ,,, وتعطي لي الحلول ,,,وتساندني بكلتا يديها تدفعني للأمام وتبعد عني الهاوية بحنكتها وذكائها ,,, لنسير معا إلى عقبات أخرى ومصاعب أكبر ,,,ولكني كنت جاحدا معها ,,, لم أشكرها على كل تلك الصنائع ,,,لم أذكر مرة أنني قلت لها شكرا لك بفضل الله ومن ثم فضلك نجونا ,,,بل كنت أتعجرف وأقف أمام باب البيت عند عودتي من عملي لأقول لها بصوت مرتفعما هو طعام اليوم ,,, ؟؟؟ وعند الانتهاء من الغداء كنت انتقد طعامها ,,, فكانت تبتسم وتهمس في أذني ,’,,الحق معك أن لا يعجبك طبخي ,,ما تعده والدتك هو من أفضل الطعام في العالمأمك طباخة ماهرة ,, الحق معك ,,,كنت أضحك ضحكة الانتصار وأقول لهانعم أمي أفضل الطباخات في العالم ,,, فتهز رأسها موافقة ,,,كنت جاحدا كبيرا ,,, لم أكن أعلم كيف أشكرها ,,, فلم تكن تنتظر مني الشكر ...كانت تشعرني أنها ليست بحاجة الى ذلك الشكر والثناء ...فهي تفعل دون أن تسألني ,,وفي مرات كنت لا أدري أنها وراء سعادتي ,,,ففي الصباح كنت أحب صوت زقزقة العصافير على شباك غرفة نومنا .,,, لأقول لهاما أجمل الإستيقاظ على أصوات زقزقة العصافير ,’,, فتبتسم وتقول ليهي مثلك كانت تطير و تحلم ,,, وأنت كنت تنام وتحلم ,,,فنضحك سويا ,,,ولكن ضحكتنا لا تستمر لوقت طويل عندما أنفجر غاضبا منها لرؤية بعض كسرات الخبز على الأرض بجانب الشباك... فأصيح بصوت عال ,’,,كعادتك لم تنظفِ الأرض جيدا ,,, أنت كسولة جدا ,,,فيختفي لونها في ثوان ,,, وتعتذر متأسفة مني وتركض لتلملم تلك الكسرات ,,, وبعد أن رقدت هناك ...لم أعد أسمع صوت العصافير صباحا ,,,واكتشفت أنها كانت تضع بعض كسرات الخبز أمام الشباك كل يوم قبل أن أصحو من أجل يجتمع العصافير على شباكي ,,,وأستيقظ على صوت زقزقتهم ,,,كنت أريد أن اشكرها على كل ذلك ,,, ولكنها لم تطلب ,’,’قررت كثيرا بعد أن بلغنا السبعين من العمر ,, أن اشكرها ,,ولكني لم أجد مناسبة لذلك ,, في كل يوم كنت أحلم أنني اشكرها ,,, وفي الصباح كنت أنسى ذلك الحلم ,,,كان حلمي الدائم وهاجس يلاحقني ... فقط أن أقول لها كلمة تنصفها حقها ,,,ولكن خطفها الموت مني ,, ,,, ولم اعطيها حقها .,,,,فكان حلما لم يتحقق ,’’’ هنا بدأت دموع الندم تحرق خده المتجعد ...فأسند جسده المترهل على عصاه القرمزية ,,,ومضى بخطى ملتوية ,,,الى هناك ... هناك خلف الأشجار البعيدة ... هناك بين الأحجار القاسية ,,, وفي قمة الجبال ...هناك رقدت .... ورقد معها
0 التعليقات على "حلم لم يتحقق ; قصة قصيرة "